المزاج
عندما تقف حكومة بأكملها ضد برنامج تلفزيونى لتوقف عرضه، بعد إنتاجه من موارد الدولة، فهذا يبعث على الدهشة، ولكن سرعان ما تزول هذه الدهشة عندما نعرف أن هذا البرنامج يقدم للشعب صورة كاريكاتورية للحكومة.. فالحكومات العربية لا ترى في نفسها أي عيوب، وإن رأت فإنها تحاول إخفاءها بشتى الطرق.. فما حدث مع البرنامج الكوميدي المصري "حكومة شو" يضيف إلى طابور الممنوعات شيئاً جديداً بعد حظر الكتب والصحف والمواقع الألكترونية، والبرامج التلفزيونية.
معركة هذا البرنامج بدأت مع بداية شهر رمضان، لكن تداعياتها تواصلت بعد ذلك. يتعرض البرنامج للحكومة التي يرأسها الدكتور أحمد نظيف، وتقليده لعدد كبير من الوزراء وأعضاء مجلس الشعب والمحافظين؛ وأهم الشخصيات التي يتعرض لها البرنامج بالنقد اللاذع والجرأة الشديدة المهندس أحمد عز، والدكتور أحمد فتحي سرور، والكاتب مصطفى بكري عضو المجلس، والدكتور بطرس غالي وزير المالية، ومحمد منصور وزير النقل والمواصلات، وغيرهم من الوزراء والمسؤولين.
ويقوم المنولوجست محمود عزب بالسخرية من حكومة الدكتور نظيف ووزرائها بالكامل.. ورغم أن أنس الفقي وزير الإعلام أعجب بالفكرة، وطلب من القائمين على البرنامج تنفيذ حلقة عنه حتى يرفع الحرج عن باقي أعضاء الحكومة.. بالإضافة إلى أن البرنامج تم تصويره في مدينة الإنتاج الإعلامي على مسرح النيل، إلا أن التلفزيون المصري منع عرض إحدي حلقات البرنامج تطال أنس الفقي نفسه.. الذي حاول رفع الحرج عن نفسه أمام رئيس الوزراء أحمد نظيف وأرسل له الحلقات ليشاهدها، واصطحبه أثناء زيارته للولايات المتحدة الأمريكية.. وبالفعل عُرضت الحلقات على أحمد نظيف ولكن لم يبد موافقة على عرضها.
حالة المنع هذه، جعلت عدداً كبيراً من المشاهدين يترقبون عرض هذا البرنامج بشغف كبير، خاصة وأن البرنامج يتعرض بشكل كوميدي إلى حركات ولازمات أعضاء الحكومة بالكامل، بالإضافة إلى تقليد الوزراء والمسؤولين بالحكومة والحزب الوطني، ومن ضمن حلقات البرنامج، كانت حلقة أحمد نظيف الذي قام بتشكيل الحكومة على ماكيت لاستاد كرة، مثل الذي يظهر في البرامج التحليلية لمباريات كرة القدم.. ويظهر عزب بالحلقة وهو يقلد نظيف، ويمسك بأكثر من حقيبة يطلق عليها الحقيبة الوزارية. كما قام بتقليد فاروق حسني وزير الثقافة وهو يرسم لوحاته.
لكن الملفت للنظر في أمر هذا البرنامج، أنه سبب حرباً داخلية في التلفزيون المصري، حيث تصاعدت الأزمة بين أسامة الشيخ رئيس قطاع القنوات المتخصصة، وبين الرقابة التلفزيونية باتحاد الإذاعة والتلفزيون ووصلت إلى حد تهديده بالاستقالة.
وترددت المعلومات بعدها، أن أسامة الشيخ قرر تصعيد الموقف، بعد أن فشلت جميع محاولاته مع الرقابة من أجل الإفراج عن حلقات البرنامج للعرض، وتصعيد الأمر إلى أنس الفقي وزير الإعلام لاتخاذ قرار مباشر بعرض البرنامج، بغض النظر عن موقف الرقابة، وإلا سيقوم بتقديم استقالته من رئاسة قطاع القنوات المتخصصة.
ومن جانبها تتمسك الرقابة بأن البرنامج لا يصلح للعرض التلفزيوني، بسبب تناوله حكايات وكواليس مجلس الوزراء، خاصة رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف، حيث أكدت من قبل في تقريرها عن البرنامج أنه يسخر بشكل عام من الحكومة، وقرارات الوزراء، بما فيهم رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف.
وفى هذه اللحظة، يقف القائمون على هذا البرنامج فى موقف صعب للغاية، بسبب عدم عرض البرنامج، بالإضافة إلى صعوبة عرض البرنامج في قناة فضائية أخرى، لأنه من إنتاج التلفزيون المصري، فيوم التصوير الواحد تكلف ما يزيد عن 20 ألف جنيه، وهذا يعني أن مصير البرنامج يتحدد ما بين العرض بعد التعديل والحذف، أو سيظل البرنامج حبيس الأدراج لمدة غير معلومة وقد تطول حتى تتغير الحكومة في مصر.
ما حدث في برنامج "حكومة شو" يؤكد أن هناك أزمة داخل جهاز التلفزيون المصري، وهذه الأزمة ناتجة عن صراع تيارين، التيار الأول يتطلع إلى إحداث تغيير في سياسة التلفزيون الرسمية، لمحاولة منافسة القنوات الفضائية المختلفة التي جعلت التلفزيون الرسمي مثل "عواجيز الفرح"، أما التيار الثاني فهو التيار المحافظ، الذي يريد بقاء الوضع على ما هو عليه، حتى لو ظلت البرامج تعاني من الشيخوخة والوهن.